دير مار أنطونيوس البادواني – خشبَو للرهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة مع كلِّ تلَّةٍ من تلال لبنان حكاية ! أمَّا حكايتها مع تلَّة خشبَو، المطلَّة بديرها المنيع على خليج جونية الساحر، فتبقى أغناها بالمعاني والعبر. لقد ورثت الرهبانيَّة أديارها، في مرحلة التأسيس، عن الرهبان العبَّاد الذين انضمُّوا إليها مع أديارهم. أمَّا دير مار أنطونيوس البادواني – خشبَو فقد بُنِيَ من أساسه بروح أحد مؤسِّسي الرهبانيَّة : الأب العام عبدالله قرأعلي. إستقبل المؤسِّس المذكور، في عهد رئاسته العامَّة على الرهبانيَّة، شابَّين من طائفة الأرمن الكاثوليك، في دير مار أنطونيوس – قزحيَّا، حيث تمرَّسا مع أبناء الرهبانيَّة على الحياة النسكيَّة والديريَّة لغاية سنة 1718، ثم انضمَّ إليهما إثنان. وهؤلاء أسَّسوا رهبانيَّة أرمنيَّة جديدة تبنَّت قانون الرهبانيَّة اللبنانيَّة.
أوقف لهم الشيخ صخر بن أبي قنصوه الخازن، سنة 1752، تلك التلَّة المعروفة ببيت خشبَو، وقد تعني في الأصل السريانيّ، بيت التضرُّع (أيّ مكان الصلاة)، فأنشأوا فيها ديرًا كبيرًا مؤلَّفًا من 42 غرفة. وبنوا فيه سنة 1820، كنيسة على اسم القدِّيس أنطونيوس البادواني، تُعَدُّ من أجمل الكنائس الرهبانيَّة في الشرق وأروعها، ويبلغ طولها 30 مترًا وعرضها 15 مترًا وعلوُّها 19 مترًا. ولقد تَمَّ ترميمها سنة 1977، بمؤازرة المديريَّة العامَّة للآثار في لبنان. بقي الدير مزدهرًا برهبانه الأرمن حتَّى عام 1890، حين قَدِمَ من فرنسا إلى لبنان رهبان كبُّوشيُّون، فقدَّم لهم البطريرك الماروني بولس مسعد هذا الدير، بالإتِّفاق مع مشايخ آل خازن، وبعد سنتَين، دخل الطوباوي الأب يعقوب الحدَّاد الكبُّوشي مُبتَدئ في هذا الدير، حيث أمضى بضع سنوات. ولكنَّ رهبان الدير كافَّة، أرمن وكبُّوشيِّين، ما لبثوا أن هجروا ديرهم في العقد الثاني من هذا القرن. وفي سنة 1946، وضع بولونيُّون لوحةً تذكاريَّةً على مدخل الدير، تخليدًا لذكرى الشاعر البولونيّ الكبير – جول سلوفتسكي – الذي كتب فيه سنة 1837، قصيدة تعدُّ من روائع الشعر في الأدب البولونيّ. وفي العشرينات من هذا القرن، أصبح الدير مهجورًا وخرابًا. وبعد فترة اشتراه السيِّد إسطفان فسُّوح مع بعض الأراضي المحيطة به، وما لبث أن طرحه للبيع. فتقدَّم كثيرون لشرائه، فسارعت الرهبانيَّة في عهد الأب العام بولس نعمان، إلى شرائه في 11 تشرين الأوَّل 1981، ليكون مركزًا للرئاسة العامَّة في الرهبانيَّة. وأطلقت الرهبانيَّة سنة 1995 ورشة ترميم للدير القديم وأضافت إليه جناحًا جديدًا حتَّى صار في الشكل الحالي، تحفة هندسيَّة رائعة. وفي سنة 1989، إنتقل إلى هذا الدير مجمع الرئاسة العامَّة للرهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة. وبين سنتَي 1993 و 1995، نقل إلى هذا الدير فريق من الرهبان الدارسين في كليَّة اللاهوت الحبريَّة في جامعة الروح القدس – الكسليك. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ وجود مجمع الرئاسة العامَّة في هذا الدير قد جعل منه القلب النابض للرهبانيَّة، يلتقي فيه جميع الرهبان، وتنظيم بهدي سلطته مسيرة جماهير الرهبان سائر الأديار. وهو إلى ذلك مرجع وطنيّ، وملتقى لرجال الفكر والعلم، يؤمُّه الجميع فلا يتوانى عن مشاركتهم في سديد الرأي والمشاورة.
يحتفل الدّير بعيد مار أنطونيوس البادواني في 13 حزيران